الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: غذاء الألباب لشرح منظومة الآداب **
وَيَحْرُمُ لُبْسٌ مِنْ لُجَيْنٍ وَعَسْجَدٍ سِوَى مَا قَدْ اسْتَثْنَيْتُهُ فِي الَّذِي اُبْتُدِيَ (وَيَحْرُمُ لُبْسٌ) ثِيَابٍ مَنْسُوجَةٍ (مِنْ لُجَيْنٍ) بِضَمِّ اللَّامِ وَفَتْحِ الْجِيمِ اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ الْفِضَّةِ جَاءَ مُصَغَّرًا كَالثُّرَيَّا وَالْكُمَيْتِ . قَالَ فِي الْمَطْلَعِ: لِلْفِضَّةِ أَسْمَاءٌ , مِنْهَا: الْفِضَّةُ وَاللُّجَيْنُ , وَالنُّسُك , وَالْغَرَبُ , وَيُطْلَقَانِ عَلَى الذَّهَبِ أَيْضًا . (وَ) يَحْرُمُ أَيْضًا لُبْسُ ثِيَابٍ مَنْسُوجَةٍ مِنْ (عَسْجَدٍ) وَهُوَ اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ الذَّهَبِ , وَلَهُ عِدَّةُ أَسْمَاءٍ غَيْرُهُ , مِنْهَا النَّضْرُ , وَالنَّضِيرُ , وَالنُّضَارُ , وَالزِّبْرِجُ . وَالسِّيرَا , وَالزُّخْرُفُ , وَالْعِقْيَانُ , وَالتِّبْرُ غَيْرَ مَضْرُوبٍ , وَبَعْضُهُمْ يُطْلِقُ التِّبْرَ عَلَى الْفِضَّةِ قَبْلَ الضَّرْبِ أَيْضًا . وَجَمَعَ ابْنُ مَالِكٍ أَسْمَاءَ الذَّهَبِ جَمِيعَهَا فِي قَوْلِهِ: نَضْرٌ نَضِيرٌ نُضَارٌ زِبْرِجٌ سِيرَا زُخْرُفٌ عَسْجَدٌ عِقْيَانُ الذَّهَبُ وَالتِّبْرُ مَا لَمْ يَذُبْ وَشَرَّكُوا ذَهَبًا مَعَ فِضَّةٍ فِي نسيك هَكَذَا الْغَرَبُ فَيَحْرُمُ عَلَى الرِّجَالِ مَا نُسِجَ بِذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ أَوْ مُوِّهَ أَوْ طُلِيَ أَوْ كُفِّتَ أَوْ طُعِّمَ بِأَحَدِهِمَا . وَقِيلَ بَلْ يُكْرَهُ إلَّا فِي مِغْفَرٍ وَجَوْشَنٍ وَخُوذَةٍ أَوْ فِي سِلَاحِهِ لِضَرُورَةٍ . كَذَا فِي الرِّعَايَةِ . وَقَالَ فِيهَا أَيْضًا: يَحْرُمُ عَلَى الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ تَمْوِيهُ حَائِطٍ وَسَقْفٍ وَسَرِيرٍ بِذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ وَيَجِبُ إزَالَتُهُ وَزَكَاتُهُ بِشَرْطِهَا , وَلَوْ فِي مَسْجِدٍ وَقَلَنْسُوَةٍ , وَكَذَا تَحْلِيَةُ سَرْجٍ وَدَوَاةٍ وَلِجَامٍ وَمِحْبَرَةٍ وَمِقْلَمَةٍ وَمِرْآةٍ وَمُكْحُلَةٍ وَشَرْبَةٍ وَمَيْلٍ وَكُرْسِيٍّ وَآنِيَةٍ وَسُبْحَةٍ وَمِحْرَابٍ وَكُتُبِ عِلْمٍ وَقِنْدِيلٍ وَمِجْمَرَةٍ وَمِدْخَنَةٍ وَمِلْعَقَةٍ , وَقِيلَ: يُكْرَهُ فِي الْكُلِّ . وَالْمَذْهَبُ حُرْمَةُ ذَلِكَ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ . (سِوَى مَا) أَيْ الَّذِي (اسْتَثْنَيْتُهُ) يَعْنِي فِي الْمَنْظُومَةِ الْكُبْرَى قَالَهُ الْحَجَّاوِيُّ . وَيَحْتَمِلُ مَا قَدْ اسْتَثْنَيْتُهُ فِي الْحَرِيرِ وَهُوَ مُقْتَضَى مَا فِي الْفُرُوعِ فَإِنَّهُ قَالَ: وَيَحْرُمُ عَلَيْهِ , وَقِيلَ: يُكْرَهُ مَنْسُوجٌ بِذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ . وَفِي الرِّعَايَةِ: وَقِيلَ أَوْ فِضَّةٍ وَالْمُمَوَّهُ بِلَا حَاجَةٍ فَيَلْبَسُهُ , وَالْحَرِيرُ لِحَاجَةِ بَرْدٍ أَوْ حَرٍّ لِعَدَمٍ . وَحُكِيَ الْمَنْعُ رِوَايَةً . وَذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ: يَلْبَسُهُ فِي الْحَرْبِ لِحَاجَةٍ . قَالَ: لِأَنَّهُ مَوْضِعُ ضَرُورَةٍ . وَقَالَ أَبُو الْمَعَالِي: وَأَرَادَ بِالْحَاجَةِ مَا احْتَاجَهُ وَإِنْ وَجَدَ غَيْرَهُ . كَذَا قَالَ . فَإِنْ اسْتَحَالَ لَوْنُهُ , وَلَمْ يَحْصُلْ مِنْهُ شَيْءٌ , وَقِيلَ مُطْلَقًا أُبِيحَ فِي الْأَصَحِّ وِفَاقًا لِلثَّلَاثَةِ . وَقِيلَ: الْمَنْسُوجُ بِذَهَبٍ كَحَرِيرٍ كَمَا سَبَقَ انْتَهَى . وَهُوَ ظَاهِرُ الْإِقْنَاعِ , فَإِنَّهُ قَالَ: وَيَحْرُمُ عَلَى ذَكَرٍ وَخُنْثَى بِلَا حَاجَةٍ لُبْسُ مَنْسُوجٍ بِذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ إلَخْ . وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُنْتَهَى بِلَا حَاجَةٍ . وَفِي الْغَايَةِ بَعْدَ مَا ذُكِرَ أَنَّ الْحَرِيرَ لَا يَحْرُمُ لِمَرَضٍ أَوْ حَكَّةٍ أَوْ قَمْلٍ أَوْ حَرْبٍ مُبَاحٍ وَلَوْ فِي غَيْرِ حَالَةِ قِتَالٍ . قَالَ: وَلَا الْكُلُّ يَعْنِي الْحَرِيرَ وَالْمَنْسُوجَ بِذَهَبٍ وَفِضَّةٍ , وَمَا فِيهِ صُورَةُ حَيَوَانٍ لِحَاجَةٍ كَدِرْعٍ مُمَوَّهٍ اُحْتِيجَ لِلُبْسِهِ . انْتَهَى . فَعُلِمَ أَنَّهُ لَا يُبَاحُ مِنْ الْمَنْسُوجِ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ إلَّا لِلْحَاجَةِ لِلُبْسِهِ دُونَ الْمُدَاوَاةِ وَحَرْبٍ حَيْثُ لَمْ يُحْتَجْ إلَيْهِ ; وَلِذَا قَالَ (فِي الَّذِي) أَيْ فِي النَّظْمِ الَّذِي (اُبْتُدِيَ) بِالضَّمِّ مَبْنِيٌّ لِلْمَجْهُولِ , أَيْ الَّذِي ابْتَدَأْتُهُ فِي الْمَنْظُومَةِ الْكُبْرَى لِتَخَلُّفِ مَا اسْتَثْنَاهُ فِي الْحَرِيرِ .
فَمِمَّا اعْتَمَدَهُ الْمُتَأَخِّرُونَ مِنْ الَّذِي يُبَاحُ مِنْ الْفِضَّةِ لِلرِّجَالِ الْخَاتَمُ وَلَوْ زَادَ عَلَى الْمِثْقَالِ مَا لَمْ يَخْرُجْ عَنْ الْعَادَةِ . وَلَهُ جَعْلُ فَصِّهِ مِنْهُ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ , وَلَوْ مِنْ ذَهَبٍ إنْ كَانَ يَسِيرًا . وَقَبِيعَةُ سَيْفٍ , وَحِلْيَةُ مِنْطَقَةٍ , وَحِلْيَةُ جَوْشَنٍ , وَبَيْضَةٍ - وَهِيَ الْخُوذَةُ - وَخُفٍّ وَرَانٍ , وَهُوَ شَيْءٌ يُلْبَسُ تَحْتَ الْخُفِّ . وَحَمَائِلُ سَيْفٍ , وَمِغْفَرٍ , وَرَأْسُ رُمْحٍ , وَشَعِيرَةُ السِّكِّينِ , والتركاش , وَالْكَلَالِيبُ . وَمِنْ الذَّهَبِ قَبِيعَةُ السَّيْفِ . وَذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ أَنَّ قَبِيعَةَ سَيْفِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم كَانَتْ ثَمَانِيَةَ مَثَاقِيلَ . وَمَا دَعَتْ إلَيْهِ ضَرُورَةٌ كَأَنْفٍ وَرَبْطِ سِنٍّ أَوْ أَسْنَانٍ بِهِ . وَيُبَاحُ لِلنِّسَاءِ مِنْهُمَا مَا جَرَتْ عَادَتُهُنَّ بِلُبْسِهِ , كَطَوْقٍ , وَخَلْخَالٍ , وَسِوَارٍ , وَدُمْلُجٍ , وَقُرْطٍ , وَعِقْدٍ , وَهُوَ الْقِلَادَةُ , وَتَاجٍ , وَخَاتَمٍ , وَمَا فِي الْمُخَانِقِ وَالْمَقَالِدِ مِنْ حُرُوزٍ وَتَعَاوِيذَ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ , قَلَّ أَوْ كَثُرَ , وَلَوْ زَادَ عَلَى أَلْفِ مِثْقَالٍ , حَتَّى دَرَاهِمَ وَدَنَانِيرَ مُعَرَّاةٍ أَوْ فِي مُرْسَلَةٍ , وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
(تَنْبِيهَاتٌ): (الْأَوَّلُ) تَحْرِيمُ الْأَوَانِي أَشَدُّ مِنْ تَحْرِيمِ اللِّبَاسِ الْمَنْسُوجِ بِالْفِضَّةِ , لِتَحْرِيمِ الْآنِيَةِ عَلَى الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ , دُونَ اللِّبَاسِ , فَإِنَّهُ مُبَاحٌ لِلنِّسَاءِ . قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَلَمْ أَجِدُهُمْ احْتَجُّوا عَلَى تَحْرِيمِ لِبَاسِ الْفِضَّةِ عَلَى الرِّجَالِ وَلَا أَعْرِفُ فِي التَّحْرِيمِ نَصًّا عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رضي الله عنه . وَكَلَامُ شَيْخِنَا يَدُلُّ عَلَى إبَاحَةِ لُبْسِهَا لِلرِّجَالِ إلَّا مَا دَلَّ الشَّرْعُ عَلَى تَحْرِيمِهِ . وَقَالَ أَيْضًا , يَعْنِي شَيْخَهُ شَيْخَ الْإِسْلَامِ ابْنَ تَيْمِيَّةَ رضي الله عنه: لُبْسُ الْفِضَّةِ إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ لَفْظٌ عَامٌّ بِالتَّحْرِيمِ لَمْ يَكُنْ لِأَحَدٍ أَنْ يُحَرِّمَ مِنْهُ إلَّا مَا قَامَ الدَّلِيلُ الشَّرْعِيُّ عَلَى تَحْرِيمِهِ . فَإِذَا أَبَاحَتْ السُّنَّةُ خَاتَمَ الْفِضَّةِ دَلَّ عَلَى إبَاحَةِ مَا فِي مَعْنَاهُ , وَمَا هُوَ أَوْلَى مِنْهُ بِالْإِبَاحَةِ , وَمَا لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ فَيَحْتَاجُ إلَى نَظَرٍ فِي تَحْرِيمِهِ . يُؤَيِّدُهُ قوله تعالى وَأَطَالَ فِي الِاسْتِدْلَالِ . فَعَلَى كَلَامِهِ رضي الله عنه تُبَاحُ تَحْلِيَةُ الْأَسْلِحَةِ بِالْفِضَّةِ , وَكَذَا الذَّهَبُ فِي مَا نَقَلَهُ عَنْهُ فِي الْفُرُوعِ , وَعِبَارَتُهُ: وَقِيلَ: يُبَاحُ يَعْنِي الذَّهَبَ فِي سِلَاحٍ وَاخْتَارَهُ شَيْخُنَا , وَقِيلَ: كُلُّ مَا أُبِيحَ تَحْلِيَتُهُ بِفِضَّةٍ أُبِيحَ بِذَهَبٍ . وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: وَجَزَمَ ابْنُ تَمِيمٍ بِأَنَّهُ لَا يُبَاحُ تَحْلِيَةُ السِّكِّينِ بِالْفِضَّةِ . وَفِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى بِالْعَكْسِ . وَيَدْخُلُ فِي الْخِلَافِ تركاش النُّشَّابِ وَالْكَلَالِيبُ لِأَنَّهَا يَسِيرٌ تَابِعٌ . وَوَاحِدُ الْكَلَالِيبِ كَلُّوبٌ بِفَتْحِ الْكَافِ وَضَمِّ اللَّامِ الْمُشَدَّدَةِ , وَيُقَالُ أَيْضًا كُلَّابٌ . انْتَهَى . (الثَّانِي) مَتَى اسْتَهْلَكَ مَا قُلْنَا يَحْرُمُ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ فِيمَا حُلِّيَ بِهِ أَوْ مُوِّهَ بِهِ فَلَمْ يَجْتَمِعْ مِنْهُ شَيْءٌ لَوْ أُزِيلَ أَوْ عُرِضَ عَلَى النَّارِ فَلَهُ اسْتِدَامَتُهُ , وَلَا زَكَاةَ فِيهِ لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ , وَذَهَابِ الْمَالِيَّةِ . وَلَمَّا وَلِيَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ رضي الله عنه الْخِلَافَةَ أَرَادَ جَمْعَ مَا فِي مَسْجِدِ دِمَشْقَ مِمَّا مُوِّهَ بِهِ مِنْ الذَّهَبِ , فَقِيلَ لَهُ: إنَّهُ لَا يَجْتَمِعُ مِنْهُ شَيْءٌ فَتَرَكَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ . (الثَّالِثُ) فُهِمَ مِنْ تَنْصِيصِ النَّاظِمِ عَلَى اخْتِصَاصِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ بِالْمَنْعِ إبَاحَةُ التَّحَلِّي بِالْجَوْهَرِ وَنَحْوِهِ لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ , وَهُوَ كَذَلِكَ , وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
وَالتَّحَلِّي بِهِمَا (الرَّابِعُ): فِي بَعْضِ أَحَادِيثَ عَنْ الْمُصْطَفَى صلى الله عليه وسلم وَرَدَتْ فِي الزَّجْرِ عَنْ اسْتِعْمَالِ أَوَانِي الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالتَّحَلِّي بِهِمَا فِي الْجُمْلَةِ . رَوَى الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رضي الله عنها أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ " الَّذِي يَشْرَبُ فِي آنِيَةِ الْفِضَّةِ إنَّمَا يُجَرْجِرُ فِي بَطْنِهِ نَارَ جَهَنَّمَ " . وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ " إنَّ الَّذِي يَأْكُلُ أَوْ يَشْرَبُ فِي آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ إنَّمَا يُجَرْجِرُ فِي بَطْنِهِ نَارَ جَهَنَّمَ " . وَفِي أُخْرَى لَهُ " مَنْ شَرِبَ فِي إنَاءٍ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ فَإِنَّمَا يُجَرْجِرُ فِي بَطْنِهِ نَارًا مِنْ جَهَنَّمَ " قَالَ فِي الْمَطَالِعِ: بِضَمِّ الرَّاءِ وَفَتْحِهَا فَمَنْ نَصَبَ جَعَلَ الْجَرْجَرَةَ بِمَعْنَى الصَّبِّ , وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الزَّجَّاجُ . أَيْ إنَّمَا يَصُبُّ فِي بَطْنِهِ نَارَ جَهَنَّمَ . وَالْجَرْجَرَةُ الصَّوْتُ الْمُتَرَدِّدُ فِي الْحَلْقِ . وَجَرْجَرَ الْفَحْلُ: إذَا رَدَّدَ صَوْتَهُ فِي حَلْقِهِ . وَقَدْ يَصِحُّ النَّصْبُ عَلَى هَذَا أَيْضًا إذَا عُدِّيَ الْفِعْلُ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْأَزْهَرِيُّ . قَالَ: وَوَقَعَ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ فِي مُسْلِمٍ " كَأَنَّمَا يُجَرْجِرُ فِي بَطْنِهِ نَارًا مِنْ نَارِ جَهَنَّمَ " قَالَ: وَهَذَا يُقَوِّي رِوَايَةَ النَّصْبِ . انْتَهَى . وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ أَيْضًا عَنْ حُذَيْفَةَ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ " لَا تَلْبِسُوا الْحَرِيرَ , وَلَا الدِّيبَاجَ , وَلَا تَشْرَبُوا فِي آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ , وَلَا تَأْكُلُوا فِي صِحَافِهِمَا فَإِنَّهَا لَهُمْ فِي الدُّنْيَا , وَلَكُمْ فِي الْآخِرَةِ " . قَالَ فِي الْقَامُوسِ: الدِّيبَاجُ مَعْرُوفٌ مُعَرَّبٌ يَعْنِي أَنَّهُ مِنْ أَنْوَاعِ الْحَرِيرِ , وَهُوَ مَا غَلُظَ مِنْهُ وَهُوَ مُعَرَّبٌ لَا عَرَبِيٌّ . وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ وَرُوَاتُهُ ثِقَاتٌ إلَّا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مُسْلِمٍ أَبَا طَيْبَةَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " مَنْ لَبِسَ الْحَرِيرَ وَشَرِبَ فِي الْفِضَّةِ فَلَيْسَ مِنَّا . وَمَنْ خَبَّبَ امْرَأَةً عَلَى زَوْجِهَا أَوْ عَبْدًا عَلَى مَوَالِيهِ فَلَيْسَ مِنَّا " . وَأَخْرَجَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ رضي الله عنه أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ " مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يَلْبَسْ حَرِيرًا , وَلَا ذَهَبًا " رُوَاتُهُ ثِقَاتٌ . وَرَوَى الْإِمَامُ أَيْضًا وَالطَّبَرَانِيُّ وَرُوَاةُ الْإِمَامِ ثِقَاتٌ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا " مَنْ مَاتَ مِنْ أُمَّتِي , وَهُوَ مُتَحَلِّي الذَّهَبِ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ لِبَاسَهُ فِي الْجَنَّةِ " وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
وَيَحْرُمُ سِتْرٌ أَوْ لِبَاسُ الْفَتَى الَّذِي حَوَى صُورَةً لِلْحَيِّ فِي نَصِّ أَحْمَدِ (وَيَحْرُمُ) عَلَى النِّسَاءِ وَالرِّجَالِ (سِتْرٌ) أَيْ اتِّخَاذُهُ حَيْثُ حَوَى صُورَةً (أَوْ) أَيْ وَيَحْرُمُ عَلَى الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ (لِبَاسُ الْفَتَى) أَرَادَ بِالْفَتَى هُنَا مَا يَعُمُّ الذُّكُورَ وَالْإِنَاثَ , فَيَحْرُمُ عَلَى الْكُلِّ مِنْهُمَا لِبَاسُ الثَّوْبِ (الَّذِي حَوَى) هُوَ (صُورَةً) أَيْ مِثَالَ صُورَةٍ (لِلْحَيِّ) مِنْ الْحَيَوَانِ لِيَخْرُجَ الشَّجَرُ وَنَحْوُهُ , وَمَا أُزِيلَ مِنْهُ مَا لَا تَبْقَى مَعَهُ حَيَاةٌ (فِي نَصِّ) أَيْ مَنْصُوصِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رضي الله عنه . قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَحْرُمُ عَلَى الْكُلِّ - يَعْنِي الذُّكُورَ وَالْإِنَاثَ - لُبْسُ مَا فِيهِ صُورَةُ حَيَوَانٍ . قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: لَا يَنْبَغِي كَتَعْلِيقِهِ وَسَتْرِ الْجُدُرِ بِهِ وَتَصْوِيرِهِ لَا افْتِرَاشِهِ أَوْ جَعْلِهِ مِخَدًّا فَلَا يُكْرَهُ فِيهِمَا ; لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم اتَّكَأَ عَلَى مِخَدَّةٍ فِيهَا صُورَةٌ . رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَهُوَ فِي الصَّحِيحَيْنِ بِدُونِ هَذِهِ الرِّوَايَةِ . انْتَهَى . وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ النَّضْرِ بْنِ أَنَسٍ قَالَ " كُنْت جَالِسًا عِنْدَ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما فَجَعَلَ يُفْتِي وَلَا يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى سَأَلَهُ رَجُلٌ فَقَالَ: إنِّي رَجُلٌ أُصَوِّرُ هَذِهِ الصُّوَرَ , فَقَالَ لَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ: اُدْنُهُ , فَدَنَا الرَّجُلُ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: " مَنْ صَوَّرَ صُورَةً فِي الدُّنْيَا كُلِّفَ أَنْ يَنْفُخَ فِيهَا الرُّوحَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ , وَلَيْسَ بِنَافِخٍ " وَفِي رِوَايَةِ سَعِيدِ بْنِ أَبِي حَسَنٍ " فَإِنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - يُعَذِّبُهُ حَتَّى يَنْفُخَ فِيهَا الرُّوحَ وَلَيْسَ بِنَافِخٍ فِيهَا أَبَدًا " وَكَأَنَّ الْقَصْدَ طُولُ تَعْذِيبِهِ وَإِظْهَارُ عَجْزِهِ عَمَّا كَانَ تَعَاطَاهُ مُبَالَغَةً فِي تَوْبِيخِهِ وَبَيَانِ قُبْحِ فِعْلِهِ . فَقَوْلُهُ " لَيْسَ بِنَافِخٍ " أَيْ لَا يُمْكِنُهُ ذَلِكَ فَيَكُونُ مُعَذَّبًا دَائِمًا . وَقَدْ اسْتَشْكَلَ هَذَا الْوَعِيدُ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِ . فَإِنَّ وَعِيدَ الْقَاتِلِ عَمْدًا يَنْقَطِعُ عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ مَعَ وُرُودِ تَخْلِيدِهِ بِحَمْلِ التَّخْلِيدِ عَلَى مُدَّةٍ مَدِيدَةٍ . وَهَذَا الْوَعِيدُ أَشَدُّ مِنْهُ لِأَنَّهُ مُغَيًّا بِمَا لَا يُمْكِنُ , وَهُوَ نَفْخُ الرُّوحِ , فَلَا يَصِحُّ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ يُعَذَّبُ زَمَانًا طَوِيلًا ثُمَّ يَتَخَلَّصُ . وَالْجَوَابُ تَعْيِينُ تَأْوِيلِ الْحَدِيثِ بِحَمْلِهِ عَلَى إرَادَةِ الزَّجْرِ الشَّدِيدِ بِالْوَعِيدِ بِعِقَابِ الْكَافِرِ فَيَكُونُ أَبْلَغَ فِي الِارْتِدَاعِ , وَظَاهِرُهُ غَيْرُ مُرَادٍ . هَذَا فِي حَقِّ الْعَاصِي بِذَلِكَ . وَأَمَّا مَنْ فَعَلَهُ مُسْتَحِلًّا فَلَا إشْكَالَ فِيهِ . وَالْحَاصِلُ حَمْلُ مَا وَرَدَ مِنْ هَذَا الْبَابِ إمَّا عَلَى الْمُسْتَحِلِّ , وَإِمَّا عَلَى الزَّجْرِ وَالتَّهْدِيدِ بِالْوَعِيدِ الشَّدِيدِ , وَإِمَّا أَنَّ هَذَا الْعَذَابَ جَزَاءُ هَذَا الْفِعْلِ أَنْ لَوْ جُوزِيَ , وَلَكِنَّ الْكَرَمَ وَالْحِلْمَ أَوْسَعُ , وَاَللَّهُ أَعْلَمُ . وَتَقَدَّمَ فِي الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ طَرَفٌ مِنْ هَذَا . , وَمَا هُوَ مَظِنَّةُ بَذْلَةٍ وَفِي السِّتْرِ أَوْ مَا هُوَ مَظِنَّةُ بَذْلَةٍ لَيُكْرَهُ كَتْبٌ لِلْقُرْآنِ الْمُمَجَّدِ (وَ) تُكْرَهُ كِتَابَةُ شَيْءٍ مِنْ الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ (فِي) نَحْوِ (السِّتْرِ) وَالْجُدْرَانِ (أَوْ) أَيْ وَكُلِّ (مَا) أَيْ الَّذِي (هُوَ مَظِنَّةُ بَذْلَةٍ) وَامْتِهَانٍ كَالثِّيَابِ وَنَحْوِهَا . وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ بِتَقْدِيرِ الْقَسَمِ يَعْنِي - وَاَللَّهِ - أَوْ التَّأْكِيدِ , وَلِذَا أَدْخَلَ اللَّامَ (لَيُكْرَهُ كَتْبٌ) أَيْ كِتَابَةٌ (لِلْقُرْآنِ) بِإِبْدَالِ الْهَمْزَةِ (الْمُمَجَّدِ) أَيْ الْمُشَرَّفِ , فَإِنَّ الْمَجْدَ هُوَ الشَّرَفُ الْوَاسِعُ , وَقِيلَ الْمَاجِدُ هُوَ الْمِفْضَالُ عَلَى الْخَلْقِ الْكَثِيرِ الْعَطَاءِ لَهُمْ . وَفِي حَدِيثِ عَائِشَةَ رضي الله عنها " نَاوِلِينِي الْمَجِيدَ " أَيْ الْمُصْحَفَ هُوَ مِنْ قوله تعالى
(فَائِدَةٌ) ذَكَرَ الْإِمَامُ الْمُحَقِّقُ ابْنُ الْقَيِّمِ فِي كِتَابِهِ الْكَلِمِ الطَّيِّبِ وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ أَنَّ الذِّكْرَ نَوْعَانِ: أَحَدُهُمَا ذِكْرُ أَسْمَاءِ الرَّبِّ وَصِفَاتِهِ وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ بِهَا وَتَنْزِيهِهِ وَتَقْدِيسِهِ عَمَّا لَا يَلِيقُ بِهِ . وَهَذَا أَيْضًا نَوْعَانِ: أَحَدُهُمَا إنْشَاءُ الثَّنَاءِ عَلَيْهِ بِهَا مِنْ الذَّاكِرِ , وَهَذَا النَّوْعُ مِنْ الْمَذْكُورِ فِي الْأَحَادِيثِ نَحْوُ (سُبْحَانَ اللَّهِ) وَ (الْحَمْدُ لِلَّهِ) وَ (لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ) وَ (اللَّهُ أَكْبَرُ) إلَى مَا لَا يُحْصَى . وَالنَّوْعُ الثَّانِي الْخَبَرُ عَنْ الرَّبِّ تَعَالَى بِأَحْكَامِ أَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ , نَحْوُ قَوْلِك: اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ يَسْمَعُ أَصْوَاتَ عِبَادِهِ , وَيَرَى حَرَكَاتِهِمْ , وَلَا يَخْفَى عَلَيْهِ خَافِيَةٌ مِنْ أَعْمَالِهِمْ , وَهُوَ أَرْحَمُ بِهِمْ مِنْ آبَائِهِمْ وَأُمَّهَاتِهِمْ , وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ , وَهُوَ أَفْرَحُ بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ مِنْ الْفَاقِدِ الْوَاجِدِ , وَنَحْوُ ذَلِكَ . وَأَفْضَلُ هَذَا النَّوْعِ الثَّنَاءُ عَلَيْهِ بِمَا أَثْنَى بِهِ عَلَى نَفْسِهِ , وَبِمَا أَثْنَى بِهِ عَلَيْهِ رَسُولُهُ صلى الله عليه وسلم مِنْ غَيْرِ تَحْرِيفٍ وَلَا تَعْطِيلٍ وَلَا تَشْبِيهٍ وَلَا تَمْثِيلٍ . وَهَذَا النَّوْعُ أَيْضًا ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ: حَمْدٌ وَثَنَاءٌ وَمَجْدٌ . فَالْحَمْدُ الْإِخْبَارُ عَنْهُ بِصِفَاتِ كَمَالِهِ مَعَ مَحَبَّتِهِ وَالرِّضَا عَنْهُ , فَلَا يَكُونُ الْمُحِبُّ السَّاكِتُ حَامِدًا . وَلَا الْمُثْنِي بِلَا مَحَبَّةٍ حَامِدًا حَتَّى يَجْتَمِعَ لَهُ الْمَحَبَّةُ وَالثَّنَاءُ , فَإِنْ كَرَّرَ الْمَحَامِدَ شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ كَانَتْ ثَنَاءً , فَإِنْ كَانَ الْمَدْحُ بِصِفَاتِ الْجَلَالِ وَالْعَظَمَةِ وَالْكِبْرِيَاءِ وَالْمُلْكِ كَانَ مَجْدًا . وَقَدْ جَمَعَ اللَّهُ - تَعَالَى - لِعَبْدِهِ الْأَنْوَاعَ الثَّلَاثَةَ فِي أَوَّلِ الْفَاتِحَةِ , فَإِذَا قَالَ الْعَبْدُ: النَّوْعُ الثَّانِي: مِنْ الذِّكْرِ ذِكْرُ أَمْرِهِ وَنَهْيِهِ وَأَحْكَامِهِ , وَهَذَا أَيْضًا نَوْعَانِ: أَحَدُهُمَا: ذِكْرُهُ بِذَلِكَ إخْبَارًا عَنْهُ بِأَنَّهُ أَمَرَ بِكَذَا وَنَهَى عَنْ كَذَا , وَأَحَبَّ كَذَا وَسَخِطَ كَذَا . وَالثَّانِي: ذِكْرُهُ عِنْدَ أَمْرِهِ فَيُبَادِرُ إلَيْهِ . وَعِنْدَ نَهْيِهِ فَيَهْرُبُ مِنْهُ . فَذِكْرُ أَمْرِهِ وَنَهْيِهِ شَيْءٌ وَذِكْرُهُ عِنْدَ أَمْرِهِ وَنَهْيِهِ شَيْءٌ آخَرُ . انْتَهَى مُلَخَّصًا . وَهَذِهِ الْفَائِدَةُ ذَكَرْنَاهَا هُنَا لِمُنَاسَبَةِ ذِكْرِ الْمَجْدِ وَإِنْ شَاءَ اللَّهُ - تَعَالَى - نَذْكُرُ عِنْدَ قَوْلِ النَّظْمِ , وَقُلْ فِي صَبَاحٍ إلَخْ بَعْضَ فَوَائِدِ فَرَائِدَ , وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ . وَحَلَّ شِرَاهُ لِلْيَتِيمَةِ لُعْبَةً بِلَا رَأْسٍ إنْ تَطْلُبْ وَبِالرَّأْسِ فَاصْدُدْ (وَحَلَّ شِرَاهُ) أَيْ الْوَلِيِّ (لِلْيَتِيمَةِ) الْقَاصِرَةِ عَلَى دَرَجَةِ الْبُلُوغِ (لُعْبَةً) بِالضَّمِّ تِمْثَالًا تَلْعَبُ بِهِ بِشَرْطِ كَوْنِهِ (بِلَا رَأْسٍ) حَتَّى يَخْرُجَ عَنْ التَّصَاوِيرِ الْمُحَرَّمَةِ (إنْ تَطْلُبْ) الْيَتِيمَةُ ذَلِكَ فَظَاهِرُهُ عَدَمُ الْحِلِّ إنْ لَمْ تَطْلُبْهُ وَلَيْسَ مُرَادًا , وَإِنَّمَا قَيَّدَهُ بِذَلِكَ لِمَا يَأْتِي مِنْ النَّصِّ وَلِيَسْتَقِيمَ الْوَزْنُ , وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ (وَ) أَمَّا اللُّعْبَةُ (بِالرَّأْسِ) الَّذِي تَكُونُ بِهِ عَلَى هَيْئَةِ ذِي الرُّوحِ مِنْ الْحَيَوَانِ (فَاصْدُدْ) لَهَا عَنْ اللَّعِبِ بِهَا وَامْنَعْهَا . وَلَا يَشْتَرِي مَا كَانَ مِنْ ذَاكَ صُورَةً وَمِنْ مَالِهِ لَا مَالِهَا فِي الْمُجَرَّدِ (وَلَا يَشْتَرِي) الْوَلِيُّ (مَا) أَيْ الَّذِي (كَانَ) هُوَ (مِنْ ذَاكَ) اسْمُ الْإِشَارَةِ يَرْجِعُ إلَى الْمَذْكُورِ أَوْ التِّمْثَالِ , أَيْ وَلَا يَشْتَرِي مَا كَانَ مِنْ التِّمْثَالِ أَوْ الشَّيْءِ الْمَذْكُورِ (صُورَةً) أَيْ ذَا صُورَةٍ لِأَنَّهُ مُحَرَّمٌ . قَالَ فِي الْآدَابِ الْكُبْرَى: لِوَلِيِّ الصَّغِيرَةِ الْإِذْنُ لَهَا فِي اللَّعِبِ بِلُعَبٍ غَيْرِ مُصَوَّرَةٍ نَصَّ عَلَيْهِ . فَظَاهِرُ كَلَامِهِ عَدَمُ اخْتِصَاصِهِ بِالْيَتِيمَةِ , وَهُوَ كَذَلِكَ , وَلِذَا عَبَّرَ فِي الْإِقْنَاعِ بِقَوْلِهِ: وَلِلْوَلِيِّ أَنْ يَأْذَنَ لِلصَّغِيرَةِ أَنْ تَلْعَبَ بِلُعَبٍ غَيْرِ مُصَوَّرَةٍ , أَيْ بِلَا رَأْسٍ انْتَهَى . وَكَذَا فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ , وَكَلَامُ النَّظْمِ يَخُصُّ الْيَتِيمَةَ . وَالْحَقُّ الشُّمُولُ لِقَضِيَّةِ عَائِشَةَ رضي الله عنها . قَالَ الْقَاضِي فِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ فِي فَصْلِ وَالِي الْحِسْبَةِ: وَأَمَّا اللَّعِبُ فَلَيْسَ يُقْصَدُ بِهَا الْمَعَاصِي وَإِنَّمَا يُقْصَدُ بِهَا إلْفُ الْبَنَاتِ لِتَرْبِيَةِ الْأَوْلَادِ , فَفِيهَا وَجْهٌ مِنْ وُجُوهِ التَّدْبِيرِ يُقَارِنُهُ مَعْصِيَةٌ بِتَصْوِيرِ ذَوَاتِ الْأَرْوَاحِ وَمُشَابَهَةِ الْأَصْنَامِ , فَلِلتَّمْكِينِ مِنْهَا وَبِحَسَبِ مَا تَقْتَضِيهِ شَوَاهِدُ الْأَحْوَالِ يَكُونُ إقْرَارُهُ وَإِنْكَارُهُ , يَعْنِي إنْ كَانَتْ قَرِينَةُ الْحَالِ تَقْتَضِي الْمَصْلَحَةَ أَقَرَّهُ , وَإِلَّا أَنْكَرَهُ , وَظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رضي الله عنه: الْإِنْكَارُ إذَا كَانَتْ عَلَى صُورَةِ ذَوَاتِ الْأَرْوَاحِ فَإِنَّهُ سُئِلَ عَنْ الْوَصِيِّ يَشْتَرِي لِلصَّبِيَّةِ لُعْبَةً إذَا طَلَبَتْ , فَقَالَ: إنْ كَانَتْ صُورَةً فَلَا . وَقَالَ فِي رِوَايَةِ بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدٍ , وَقَدْ سَأَلَهُ عَنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ رضي الله عنها كُنْت أَلْعَبُ بِالْبَنَاتِ , فَقَالَ: لَا بَأْسَ بِلُعَبِ اللَّعِبِ إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهَا صُورَةٌ , فَإِنْ كَانَ فِيهَا صُورَةٌ فَلَا . وَرَوَى أَحْمَدُ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ رضي الله عنها " أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم دَخَلَ عَلَيْهَا وَهِيَ تَلْعَبُ بِالْبَنَاتِ وَمَعَهَا جَوَارٍ , فَقَالَ: مَا هَذَا يَا عَائِشَةُ؟ قَالَتْ هَذَا خَيْلُ سُلَيْمَانَ قَالَ: فَجَعَلَ يَضْحَكُ مِنْ قَوْلِهَا " قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: هُوَ غَرِيبٌ . وَفِي الصَّحِيحِ أَنَّهَا كَانَتْ فِي مَتَاعِ عَائِشَةَ لَمَّا تَزَوَّجَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَمِنْ الْعُلَمَاءِ مَنْ جَعَلَهُ مَخْصُوصًا مِنْ عُمُومِ الصُّوَرِ . وَمِنْهُمْ مَنْ جَعَلَ هَذَا فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ قَبْلَ النَّهْيِ عَنْ الصُّوَرِ ثُمَّ نُسِخَ . قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ: هُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ مِنْ الْعُلَمَاءِ . قُلْت: وَمِمَّنْ ذَكَرَ الْخُصُوصِيَّةَ الْإِمَامُ النَّوَوِيُّ . قَالَ فِي شَرْحِ صَحِيحِ مُسْلِمٍ: قَالَ ابْنُ حَزْمٍ: وَجَائِزٌ لِلصَّبَايَا خَاصَّةً اللَّعِبُ بِالصُّوَرِ , وَلَا يَجُوزُ لِغَيْرِهِنَّ , وَالصُّوَرُ مُحَرَّمَةٌ إلَّا هَذَا , وَإِلَّا مَا كَانَ رَقْمًا فِي ثَوْبٍ . انْتَهَى . وَقَدْ عَلِمْت حُرْمَةَ كَوْنِهِ رَقْمًا فِي ثَوْبٍ , وَكَذَا لُعْبَةٌ مَا لَمْ تَكُنْ عَلَى غَيْرِ صُورَةِ ذَوَاتِ الْأَرْوَاحِ مِنْ نَحْوِ شَجَرَةٍ أَوْ بِلَا رَأْسٍ , وَاَللَّهُ أَعْلَمُ . (وَ) حَيْثُ جَازَ شِرَاءُ الْوَلِيِّ لِلُّعْبَةِ فَثَمَنُهَا (مِنْ مَالِهِ) أَيْ مَالِ الْوَلِيِّ (لَا) مِنْ (مَالِهَا) أَيْ الْيَتِيمَةِ عَلَى مَا (فِي) كِتَابِ الْإِمَامِ الْأَوْحَدِ وَالْهُمَامِ الْأَمْجَدِ , حَامِلِ لِوَاءِ مَذْهَبِ سَيِّدِنَا الْإِمَامِ أَحْمَدَ الْقَاضِي أَبِي يَعْلَى - طَيَّبَ اللَّهُ ثَرَاهُ , وَجَعَلَ جَنَّةَ الْفِرْدَوْسِ مَأْوَاهُ الْمُسَمَّى بِ (الْمُجَرَّدِ) . وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَلَهُ شِرَاؤُهَا بِمَالِهَا . نَصَّ عَلَيْهِ . وَقِيلَ: بَلْ بِمَالِهِ . وَفِي التَّلْخِيصِ: هَلْ يَشْتَرِيهَا مِنْ مَالِهَا أَوْ مِنْ مَالِهِ؟ فِيهِ احْتِمَالَانِ . وَفِي الْإِنْصَافِ: لِلْوَلِيِّ أَنْ يَأْذَنَ لِلصَّغِيرَةِ أَنْ تَلْعَبَ بِاللُّعَبِ إذَا كَانَتْ غَيْرَ مُصَوَّرَةٍ . وَشِرَاؤُهَا لَهَا بِمَالِهَا . نَصَّ عَلَيْهِمَا . وَهَذَا الْمَذْهَبُ . وَقِيلَ: مِنْ مَالِهِ , وَصَحَّحَهُ النَّاظِمُ فِي آدَابِهِ , وَهُمَا احْتِمَالَانِ مُطْلَقَانِ فِي التَّلْخِيصِ فِي بَابِ اللِّبَاسِ . انْتَهَى . وَقَالَ ابْنُ حَمْدَانَ: الْمُرَادُ بِالصُّورَةِ مَا لَهَا جِسْمٌ مَصْنُوعٌ لَهُ طُولٌ وَعَرْضٌ وَعُمْقٌ . قُلْت: وَالْمُعْتَمَدُ لَهُ شِرَاؤُهَا مِنْ مَالِهَا كَمَا جَزَمَ بِهِ فِي الْإِقْنَاعِ وَغَيْرِهِ , وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ . وَفِي نَصِّهِ أَكْرَهُ لِلرِّجَالِ وَلِلنِّسَا الرَّ قِيقَ سِوَى لِلزَّوْجِ يَخْلُو وَسَيِّدِ (وَفِي نَصِّهِ) أَيْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رضي الله عنه (أَكْرَهُ) أَيْ يُكْرَهُ (لِلرِّجَالِ) جَمْعُ رَجُلٍ , وَهُوَ الذَّكَرُ الْبَالِغُ مِنْ بَنِي آدَمَ , وَالْمُرَادُ هُنَا مُجَرَّدُ الذُّكُورِ (وَلِلنِّسَاءِ) مُجَرَّدُ الْإِنَاثِ (الرَّقِيقَ) أَيْ لُبْسَهُ مُفْرَدًا (سِوَى) مَا إذَا لَبِسَتْهُ الْمَرْأَةُ (لِلزَّوْجِ) أَيْ زَوْجِهَا (يَخْلُو) أَيْ فِي حَالَ خَلْوَتِهِ بِهَا فَلَا كَرَاهَةَ حِينَئِذٍ (وَ) سِوَى مَا إذَا لَبِسَتْهُ أَمَةٌ لِ (سَيِّدِ) هَا فِي حَالِ خَلْوَتِهِ بِهَا فَكَذَلِكَ , وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ قَرِيبًا .
وَيُكْرَهُ تَقْصِيرُ اللِّبَاسِ وَطُولُهُ بِلَا حَاجَةٍ كِبْرًا وَتَرْكُ الْمُعَوَّدِ وَ (يُكْرَهُ) تَنْزِيهًا (تَقْصِيرُ اللِّبَاسِ) أَيْ الْمَلْبُوسِ . قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيُكْرَهُ فَوْقَ نِصْفِ سَاقَيْهِ نَصَّ عَلَيْهِ . وَقَالَ أَيْضًا: يُشَهِّرُ نَفْسَهُ . وَقَالَ فِي الْآدَابِ: قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ السُّنَّةُ فِي الْإِزَارِ وَالْقَمِيصِ وَنَحْوِهِ مِنْ نِصْفِ السَّاقِ إلَى الْكَعْبَيْنِ , فَلَا يَتَأَذَّى السَّاقُ بِحَرٍّ وَبَرْدٍ , وَلَا يَتَأَذَّى الْمَاشِي بِطُولِهِ وَيَجْعَلُهُ كَالْمُقَيَّدِ . وَيُكْرَهُ مَا نَزَلَ عَنْ ذَلِكَ أَوْ ارْتَفَعَ عَنْهُ , نَصَّ عَلَيْهِ , وَهُوَ الْمَذْهَبُ . قَالَ فِي الْإِقْنَاعِ: وَيُكْرَهُ أَنْ يَكُونَ ثَوْبُ الرَّجُلِ إلَى فَوْقِ نِصْفِ سَاقِهِ وَتَحْتَ كَعْبِهِ بِلَا حَاجَةٍ , وَلَا يُكْرَهُ مَا بَيْنَ ذَلِكَ , وَلِذَا قَالَ النَّاظِمُ:
(وَ) يُكْرَهُ أَيْضًا (طُولُهُ) أَيْ اللِّبَاسِ إلَى تَحْتِ كَعْبَيْهِ (بِلَا حَاجَةٍ) وَأَمَّا إذَا كَانَ لُبْسُهُ ذَلِكَ لِحَاجَةٍ دَاعِيَةٍ لِذَلِكَ كَسَتْرِ سَاقٍ قَبِيحٍ مِنْ غَيْرِ خُيَلَاءَ , وَلَا تَدْلِيسٍ أُبِيحَ , وَأَمَّا إذَا كَانَ إسْبَالُهُ لِلِّبَاسِ (كِبْرًا) أَيْ لِأَجْلِ الْكِبْرِ فَأَطْلَقَ النَّاظِمُ أَنَّهُ مَكْرُوهٌ فَقَطْ , وَالْأَصَحُّ الْحُرْمَةُ بَلْ هُوَ كَبِيرَةٌ . وَالْحَاصِلُ: أَنَّ الْإِسْبَالَ تَارَةً يَكُونُ خُيَلَاءَ وَتَارَةً لَا يَكُونُ . الْأَوَّلُ حَرَامٌ مِنْ الْكَبَائِرِ عَلَى الْأَصَحِّ , وَالثَّانِي تَارَةً يَكُونُ لِحَاجَةٍ وَأُخْرَى لَا . الْأَوَّلُ غَيْرُ مَكْرُوهٍ مَا لَمْ يَقْصِدْ تَدْلِيسًا فَيَحْرُمُ , وَالثَّانِي مَكْرُوهٌ , وَهُوَ الْإِسْبَالُ بِلَا حَاجَةٍ , وَلَا خُيَلَاءَ وَلَا تَدْلِيسٍ , لِقَوْلِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رضي الله عنه: مَا تَحْتَ الْكَعْبَيْنِ فِي النَّارِ . وَظَاهِرُ النَّظْمِ عَدَمُ الْكَرَاهَةِ حَيْثُ لَا خُيَلَاءَ وَلَا كِبْرَ . وَهُوَ قَوْلٌ مَرْجُوحٌ , وَقَدْ صَرَّحَ بِذَلِكَ صَاحِبُ النَّظْمِ وَقَالَ: الْأَوْلَى تَرْكُهُ , وَاسْتَدَلَّ لَهُ بِرِوَايَةِ حَنْبَلٍ عَنْ الْإِمَامِ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ عَنْ جَرِّ الْإِزَارِ: إذَا لَمْ يُرِدْ بِهِ خُيَلَاءَ فَلَا بَأْسَ بِهِ , وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ الْأَصْحَابِ كَمَا فِي الْآدَابِ الْكُبْرَى لِلْعَلَّامَةِ ابْنِ مُفْلِحٍ . وَقَالَ صَاحِبُ الْمُحِيطِ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ: رُوِيَ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ رحمه الله ارْتَدَى بِرِدَاءٍ ثَمِينٍ قِيمَتُهُ أَرْبَعُمِائَةِ دِينَارٍ , وَكَانَ يَجُرُّهُ عَلَى الْأَرْضِ , فَقِيلَ لَهُ: أَوَلَسْنَا نُهِينَا عَنْ هَذَا؟ فَقَالَ: إنَّمَا ذَلِكَ لِذَوِي الْخُيَلَاءِ , وَلَسْنَا مِنْهُمْ . قَالَ فِي الْآدَابِ: وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ عَدَمَ تَحْرِيمِهِ , وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِلْكَرَاهَةِ , وَلَا عَدَمِهَا . وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ الْعَزِيزِ: يُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ طُولُ قَمِيصِ الرَّجُلِ إلَى الْكَعْبَيْنِ , وَإِلَى شِرَاكِ النَّعْلِ . وَهُوَ الَّذِي فِي الْمُسْتَوْعِبِ , وَطُولُ الْإِزَارِ إلَى مَرَاقِّ السَّاقَيْنِ , وَقِيلَ إلَى الْكَعْبَيْنِ انْتَهَى .
وَلْنَذْكُرْ الْآنَ طَرَفًا مِنْ الْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِي الرَّدْعِ عَنْ جَرِّ الْإِزَارِ خُيَلَاءَ , وَعَنْ الْعُجْبِ وَالتَّكَبُّرِ عَلَى حَسَبِ مَا يَلِيقُ بِهَذَا الشَّرْحِ , وَإِلَّا فَالْأَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ جِدًّا فِي ذَلِكَ فَنَقُولُ: أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ وَالنَّسَائِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ " مَا أَسْفَلَ مِنْ الْكَعْبَيْنِ مِنْ الْإِزَارِ فَفِي النَّارِ " وَفِي رِوَايَةِ النَّسَائِيِّ قَالَ " إزْرَةُ الْمُؤْمِنِ إلَى عَضَلَةِ سَاقِهِ , ثُمَّ إلَى نِصْفِ سَاقِهِ , ثُمَّ إلَى كَعْبِهِ , وَمَا تَحْتَ الْكَعْبَيْنِ مِنْ الْإِزَارِ فَفِي النَّارِ " . قَالَ ابْنُ عُمَرَ رضي الله عنهما " مَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْإِزَارِ فَهُوَ فِي الْقَمِيصِ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ . وَأَخْرَجَ الْإِمَامُ مَالِكٌ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ عَنْ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ " سَأَلْتُ أَبَا سَعِيدٍ رضي الله عنه عَنْ الْإِزَارِ فَقَالَ: عَلَى الْخَبِيرِ بِهَا سَقَطْتَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " إزْرَةُ الْمُؤْمِنِ إلَى نِصْفِ السَّاقِ , وَلَا حَرَجَ , أَوْ قَالَ: لَا جُنَاحَ عَلَيْهِ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْن الْكَعْبَيْنِ , وَمَا كَانَ أَسْفَلَ مِنْ ذَلِكَ فَهُوَ فِي النَّارِ وَمَنْ جَرَّ إزَارَهُ بَطَرًا لَمْ يَنْظُرْ اللَّهُ إلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ " وَأَخْرَجَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَرُوَاتُهُ رُوَاةُ الصَّحِيحِ عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ حُمَيْدٌ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ قَالَ أَحْمَدُ كَأَنَّهُ يَعْنِي النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ " الْإِزَارُ إلَى نِصْفِ السَّاقِ , فَشَقَّ عَلَيْهِمْ فَقَالَ أَوْ إلَى الْكَعْبَيْنِ , لَا خَيْرَ فِي أَسْفَلَ مِنْ ذَلِكَ " . وَرَوَى مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ أَبِي ذَرٍّ الْغِفَارِيِّ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: " ثَلَاثَةٌ لَا يُكَلِّمُهُمْ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يَنْظُرُ إلَيْهِمْ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ . قَالَ فَقَرَأَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فَقَالَ أَبُو ذَرٍّ خَابُوا وَخَسِرُوا , مَنْ هُمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: الْمُسْبِلُ , وَالْمَنَّانُ , وَالْمُنَفِّقُ سِلْعَتَهُ بِالْحَلِفِ الْكَاذِبِ " قَالَ الْحَافِظُ الْمُنْذِرِيُّ: الْمُسْبِلُ هُوَ الَّذِي يُطَوِّلُ ثَوْبَهُ , وَيُرْسِلُهُ إلَى الْأَرْضِ كَأَنَّهُ يَفْعَلُ ذَلِكَ تَجَبُّرًا وَاخْتِيَالًا . وَفِي لَفْظٍ " الْمُسْبِلُ إزَارَهُ " . وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي رَوَّادٍ - وَالْجُمْهُورُ عَلَى تَوْثِيقِهِ - عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ " الْإِسْبَالُ فِي الْإِزَارِ وَالْقَمِيصِ وَالْعِمَامَةِ . مَنْ جَرَّ شَيْئًا خُيَلَاءَ لَمْ يَنْظُرْ اللَّهُ إلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ " . قُلْت: وَفِي ثُلَاثِيَّاتِ مُسْنَدِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رَضِيَ عَنْهُ جَمَعَ الْإِمَامُ الْحَافِظُ الْمُتْقِنُ الْحُجَّةُ ضِيَاءُ الدِّينِ الْمَقْدِسِيُّ رحمه الله قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ يَعْنِي ابْنَ عُيَيْنَةَ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ سَمِعَ ابْنَ عُمَرَ ابْنُ ابْنِهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَاقِدٍ يَقُولُ: يَا بُنَيَّ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ " لَا يَنْظُرُ اللَّهُ إلَى مَنْ جَرَّ إزَارَهُ خُيَلَاءَ " . وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَغَيْرُهُمَا مَرْفُوعًا بِلَفْظِ " لَا يَنْظُرُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إلَى مَنْ جَرَّ ثَوْبَهُ خُيَلَاءَ " . وَهُمَا وَغَيْرُهُمَا مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا " لَا يَنْظُرُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إلَى مَنْ جَرَّ إزَارَهُ بَطَرًا " وَهُمَا وَغَيْرُهُمَا أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَيْضًا مَرْفُوعًا " مَنْ جَرَّ خُيَلَاءَ لَمْ يَنْظُرْ اللَّهُ إلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رضي الله عنه يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ إزَارِي يَسْتَرْخِي إلَّا أَنْ أَتَعَاهَدَهُ , فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " إنَّك لَسْت مِمَّنْ يَفْعَلُهُ خُيَلَاءَ " . وَلَفْظُ مُسْلِمٍ قَالَ ابْنُ عُمَرَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِأُذُنَيَّ هَاتَيْنِ يَقُولُ " مَنْ جَرَّ إزَارَهُ لَا يُرِيدُ بِذَلِكَ إلَّا الْمَخِيلَةَ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَنْظُرُ إلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ " . قَالَ الْحَافِظُ الْمُنْذِرِيُّ: الْخُيَلَاءُ بِضَمِّ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَكَسْرِهَا أَيْضًا وَبِفَتْحِ الْيَاءِ الْمُثَنَّاةِ تَحْتُ مَمْدُودٌ هُوَ الْكِبْرُ وَالْعُجْبُ . وَالْمَخِيلَةُ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَكَسْرِ الْمُعْجَمَةِ مِنْ الِاخْتِيَالِ وَهُوَ الْكِبْرُ وَاسْتِحْقَارُ النَّاسِ . وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُمَا عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: " بَيْنَمَا رَجُلٌ مِمَّنْ كَانَ قَبْلَكُمْ يَجُرُّ إزَارَهُ مِنْ الْخُيَلَاءِ خُسِفَ بِهِ فَهُوَ يَتَجَلْجَلُ فِي الْأَرْضِ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ " . قَوْلُهُ يَتَجَلْجَلُ بِجِيمَيْنِ أَيْ يَغُوصُ وَيَنْزِلُ فِيهَا . وَرَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَالْبَزَّارُ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ مَرْفُوعًا بِلَفْظِ " بَيْنَا رَجُلٌ مِمَّنْ كَانَ قَبْلَكُمْ خَرَجَ فِي بُرْدَيْنِ أَخْضَرَيْنِ يَخْتَالُ فِيهِمَا أَمَرَ اللَّهُ الْأَرْضَ فَأَخَذَتْهُ فَهُوَ يَتَجَلْجَلُ فِيهَا إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ " . وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا " بَيْنَمَا رَجُلٌ يَمْشِي فِي حُلَّةٍ تُعْجِبُهُ نَفْسُهُ مُرَجِّلٌ رَأْسَهُ يَخْتَالُ فِي مِشْيَتِهِ إذْ خَسَفَ اللَّهُ بِهِ فَهُوَ يَتَجَلْجَلُ فِي الْأَرْضِ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ " . وَالْبَزَّارُ عَنْ جَابِرٍ أَحْسَبُهُ رَفَعَهُ " أَنَّ رَجُلًا كَانَ فِي حُلَّةٍ حَمْرَاءَ فَتَبَخْتَرَ أَوْ اخْتَالَ فِيهَا فَخَسَفَ اللَّهُ بِهِ الْأَرْضَ فَهُوَ يَتَجَلْجَلُ فِيهَا إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ " . قَالَ فِي فَتْحِ الْبَارِي: ذَكَرَ السُّهَيْلِيُّ فِي مُبْهَمَاتِ الْقُرْآنِ فِي سُورَةِ الصَّافَّاتِ عَنْ الطَّبَرِيِّ أَنَّ اسْمَ الرَّجُلِ الْمَذْكُورِ الْهَيْزَنُ , وَأَنَّهُ مِنْ أَعْرَابِ فَارِسَ وَقِيلَ هُوَ قَارُونُ انْتَهَى . وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ مَرْفُوعًا " مَنْ جَرَّ ثَوْبَهُ خُيَلَاءَ لَمْ يَنْظُرْ اللَّهُ إلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَإِنْ كَانَ عَلَى اللَّهِ كَرِيمًا " . وَالْبَيْهَقِيُّ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها مَرْفُوعًا " أَتَانِي جِبْرِيلُ عليه السلام فَقَالَ هَذِهِ لَيْلَةُ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ وَلِلَّهِ فِيهَا عُتَقَاءُ مِنْ النَّارِ بِعَدَدِ شُعُورِ غَنَمِ كَلْبٍ , لَا يَنْظُرُ اللَّهُ فِيهَا إلَى مُشْرِكٍ , وَلَا إلَى سَاحِرٍ , وَلَا إلَى قَاطِعِ رَحِمٍ , وَلَا إلَى مُسْبِلٍ , وَلَا إلَى عَاقٍّ لِوَالِدَيْهِ , وَلَا إلَى مُدْمِنِ خَمْرٍ " وَأَبُو دَاوُدَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ مَرْفُوعًا وَقَالَ وَرَوَاهُ جَمَاعَةٌ عَنْهُ مَوْقُوفًا " مَنْ أَسْبَلَ إزَارَهُ فِي صَلَاتِهِ فَلَيْسَ مِنْ اللَّهِ فِي حِلٍّ وَلَا حَرَمٍ " . فَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ وَأَضْعَافُهَا مِمَّا لَمْ نَذْكُرْهُ تَدُلُّ دَلَالَةً صَرِيحَةً عَلَى تَحْرِيمِ الْخُيَلَاءِ وَالْإِسْبَالِ كِبْرًا . فَإِنْ قُلْت: حَيْثُ كَانَ الْإِسْبَالُ بِهَذِهِ الْمَثَابَةِ فَمَا عُذْرُ النَّاظِمِ فِي جَعْلِهِ مَكْرُوهًا مَعَ الْكِبْرِ وَغَيْرَ مَكْرُوهٍ بِلَا كِبْرٍ؟ ! . قُلْت: النَّاظِمُ رحمه الله تعالى لَا يَقُولُ إنَّ الْكِبْرَ غَيْرُ مُحَرَّمٍ , وَإِنَّمَا الْخِلَافُ الَّذِي ذَكَرَهُ فِي نَفْسِ الْإِسْبَالِ هَلْ هُوَ مَكْرُوهٌ أَوْ لَا . وَأَمَّا الْكِبْرُ فَحَرَامٌ بِلَا شَكٍّ . وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ الْحَقَّ أَنَّ الْإِسْبَالَ خُيَلَاءَ حَرَامٌ أَيْضًا .
وَاسْتَمِعْ الْآنَ إلَى بَعْضِ مَثَالِبِ الْكِبْرِ وَالْعُجْبِ عَافَانَا اللَّهُ وَإِيَّاكَ وَالْمُسْلِمِينَ مِنْهُمَا وَمِنْ كُلِّ فِعْلٍ يُوجِبُ غَضَبًا وَإِعْرَاضًا , وَعَذَابًا وَانْقِبَاضًا , إنَّهُ جَوَادٌ كَرِيمٌ , رَءُوفٌ رَحِيمٌ . أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَغَيْرُهُمَا عَنْ حَارِثَةَ بْنِ وَهْبٍ رضي الله عنه سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ " أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِأَهْلِ النَّارِ: كُلُّ عُتُلٍّ جَوَّاظٍ مُسْتَكْبِرٍ " . قَالَ الْحَافِظُ الْمُنْذِرِيُّ: الْعُتُلُّ بِضَمِّ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَالتَّاءِ الْمُثَنَّاةِ فَوْقُ وَتَشْدِيدِ اللَّامِ هُوَ الْغَلِيظُ الْجَافِي . وَالْجَوَّاظُ بِفَتْحِ الْجِيمِ وَتَشْدِيدِ الْوَاوِ وَبِالظَّاءِ الْمُعْجَمَةِ هُوَ الْجَمُوعُ الْمَنُوعُ , وَقِيلَ الضَّخْمُ الْمُخْتَالُ فِي مِشْيَتِهِ , وَقِيلَ: الْقَصِيرُ الْبَطِينُ . وَأَخْرَجَ ابْنُ مَاجَهْ وَاللَّفْظُ لَهُ وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ مِنْ رِوَايَةِ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " يَقُولُ اللَّهُ جَلَّ وَعَلَا: الْكِبْرِيَاءُ رِدَائِي , وَالْعَظَمَةُ إزَارِي , فَمَنْ نَازَعَنِي وَاحِدًا مِنْهُمَا أَلْقَيْتُهُ فِي النَّارِ " . وَمُسْلِمٌ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنهما مَرْفُوعًا " يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: الْعِزُّ إزَارُهُ , وَالْكِبْرِيَاءُ رِدَاؤُهُ , فَمَنْ يُنَازِعْنِي عَذَّبْتُهُ " . وَرَوَاهُ الْبَرْقَانِيُّ مِنْ الطَّرِيقِ الَّتِي أَخْرَجَهَا مُسْلِمٌ بِلَفْظٍ " يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: الْعِزُّ إزَارِي , وَالْكِبْرِيَاءُ رِدَائِي , فَمَنْ نَازَعَنِي فِي شَيْءٍ مِنْهُمَا عَذَّبْتُهُ " . وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَابْنُ مَاجَهْ وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَحْدَهُ , وَلَفْظُهُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: الْكِبْرِيَاءُ رِدَائِي وَالْعَظَمَةُ إزَارِي , فَمَنْ نَازَعَنِي وَاحِدًا مِنْهُمَا قَذَفْتُهُ فِي النَّارِ " . وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ وَاللَّفْظُ لَهُ وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ عَنْ فَضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ " ثَلَاثَةٌ لَا يُسْأَلُ عَنْهُمْ: رَجُلٌ نَازَعَ اللَّهَ رِدَاءَهُ فَإِنَّ رِدَاءَهُ الْكِبْرُ , وَإِزَارَهُ الْعِزُّ , وَرَجُلٌ فِي شَكٍّ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ , وَالْقَنُوطُ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ " . وَعَنْ حُذَيْفَةَ رضي الله عنه قَالَ " كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي جِنَازَةٍ قَالَ: أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِشَرِّ عِبَادِ اللَّهِ؟ الْفَظُّ الْمُسْتَكْبِرُ . أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِخَيْرِ عِبَادِ اللَّهِ؟ الضَّعِيفُ الْمُسْتَضْعَفُ ذُو الطِّمْرَيْنِ لَا يُؤْبَهُ لَهُ , لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لَأَبَرَّهُ " رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ , وَرُوَاتُهُ رُوَاةُ الصَّحِيحِ , إلَّا مُحَمَّدَ بْنَ جَابِرٍ . وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " ثَلَاثَةٌ لَا يُكَلِّمُهُمْ اللَّهُ تَعَالَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ: شَيْخٌ زَانٍ , وَمَلِكٌ كَذَّابٌ , وَعَائِلٌ مُسْتَكْبِرٌ " . الْعَائِلُ بِالْمَدِّ هُوَ الْفَقِيرُ . وَأَخْرَجَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ قَالَ: الْتَقَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ , وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رضي الله عنهم عَلَى الْمَرْوَةِ فَتَحَدَّثَا , ثُمَّ مَضَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو وَبَقِيَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ يَبْكِي , فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: مَا يُبْكِيكَ يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ؟ قَالَ هَذَا يَعْنِي عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو زَعَمَ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ " مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ مِنْ كِبْرٍ كَبَّهُ اللَّهُ لِوَجْهِهِ فِي النَّارِ " وَرُوَاةُ هَذَا الْحَدِيثِ رُوَاةُ الصَّحِيحِ . وَفِي رِوَايَةٍ لِلْإِمَامِ أَحْمَدَ صَحِيحَةٍ أَيْضًا سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ " لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إنْسَانٌ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ مِنْ كِبْرٍ " . وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ رضي الله عنه أَنَّهُ مَرَّ فِي السُّوقِ , وَعَلَيْهِ حُزْمَةٌ مِنْ حَطَبٍ , فَقِيلَ لَهُ: مَا يَحْمِلُك عَلَى هَذَا , وَقَدْ أَغْنَاك اللَّهُ عَنْ هَذَا؟ قَالَ: أَرَدْت أَنْ أَدْفَعَ الْكِبْرَ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ " لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ خَرْدَلَةٍ مِنْ كِبْرٍ " وَرَوَاهُ الْأَصْبَهَانِيُّ إلَّا أَنَّهُ قَالَ " مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ " . وَأَخْرَجَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَالطَّبَرَانِيُّ وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي ثَعْلَبَةَ وَالتَّرْمِذِيِّ وَقَالَ: حَسَنٌ غَرِيبٌ عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ " إنَّ مِنْ أَحَبِّكُمْ إلَيَّ وَأَقْرَبِكُمْ مِنِّي مَجْلِسًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَحَاسِنَكُمْ أَخْلَاقًا , وَإِنَّ أَبْغَضَكُمْ إلَيَّ وَأَبْعَدَكُمْ مِنِّي مَجْلِسًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ الثَّرْثَارُونَ وَالْمُتَشَدِّقُونَ وَالْمُتَفَيْهِقُونَ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ عَلِمْنَا الثَّرْثَارُونَ وَالْمُتَشَدِّقُونَ فَمَا الْمُتَفَيْهِقُونَ؟ قَالَ الْمُتَكَبِّرُونَ " قَالَ الْحَافِظُ الْمُنْذِرِيُّ: الثَّرْثَارُ بِثَاءَيْنِ مُثَلَّثَتَيْنِ مَفْتُوحَتَيْنِ وَتَكْرِيرِ الرَّاءِ هُوَ الْكَثِيرُ الْكَلَامِ تَكَلُّفًا . وَالْمُتَشَدِّقُ هُوَ الْمُتَكَلِّمُ بِمِلْءِ فِيهِ تَفَاصُحًا وَتَعَاظُمًا وَاسْتِعْلَاءً . وَهُوَ مَعْنَى الْمُتَفَيْهِقِ أَيْضًا . وَتَقَدَّمَ فِي الْكَلَامِ عَلَى الْخُلُقِ الْحَسَنِ . وَأَخْرَجَ النَّسَائِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ " يُحْشَرُ الْمُتَكَبِّرُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَمْثَالَ الذَّرِّ فِي صُوَرِ الرِّجَالِ يَغْشَاهُمْ الذُّلُّ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ , يُسَاقُونَ إلَى سَجْنٍ فِي جَهَنَّمَ يُقَالُ لَهُ: (بُولَسُ) تَعْلُوهُمْ نَارُ الْأَنْيَارِ يُسْقَوْنَ مِنْ عُصَارَةِ أَهْلِ النَّارِ طِينَةَ الْخَبَالِ " . بُولَسُ بِضَمِّ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَسُكُونِ الْوَاوِ وَفَتْحِ اللَّامِ بَعْدَهَا سِينٌ مُهْمَلَةٌ . وَالْخَبَالُ بِفَتْحِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ عُصَارَةُ أَهْلِ النَّارِ كَمَا جَاءَ مُفَسَّرًا فِي مَرْفُوعِ ابْنِ حِبَّانَ وَغَيْرِهِ . وَفِي الزُّهْدِ لِلْإِمَامِ أَحْمَدَ بِسَنَدِهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ " يُجَاءُ بِالْجَبَّارِينَ وَالْمُتَكَبِّرِينَ رِجَالٌ فِي صُوَرِ الذَّرِّ يَطَؤُهُمْ النَّاسُ مِنْ هَوَانِهِمْ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ حَتَّى يُقْضَى بَيْنَ النَّاسِ قَالَ: ثُمَّ يُذْهَبُ بِهِمْ إلَى نَارِ الْأَنْيَارِ قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ , وَمَا نَارُ الْأَنْيَارِ؟ قَالَ عُصَارَةُ أَهْلِ النَّارِ " . وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ " لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ , فَقَالَ رَجُلٌ: إنَّ الرَّجُلَ يُحِبُّ أَنْ يَكُونَ ثَوْبُهُ حَسَنًا وَنَعْلُهُ حَسَنَةً ! قَالَ: إنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ الْكِبْرُ بَطَرُ الْحَقِّ وَغَمْطُ النَّاسِ " . بَطَرُ الْحَقِّ بِفَتْحِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَالطَّاءِ الْمُهْمَلَةِ جَمِيعًا هُوَ دَفْعُهُ وَرَدُّهُ . وَغَمْطُ النَّاسِ بِفَتْحِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الْمِيمِ وَبِالطَّاءِ الْمُهْمَلَةِ هُوَ احْتِقَارُهُمْ وَازْدِرَاؤُهُمْ وَكَذَلِكَ غَمْصُهُمْ بِالصَّادِ الْمُهْمَلَةِ . وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ وَاللَّفْظُ لَهُ وَرُوَاتُهُ مُحْتَجٌّ بِهِمْ فِي الصَّحِيحِ وَالْحَاكِمُ بِنَحْوِهِ , وَقَالَ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ " مَنْ تَعَظَّمَ فِي نَفْسِهِ أَوْ اخْتَالَ فِي مِشْيَتِهِ لَقِيَ اللَّهَ - تَبَارَكَ وَتَعَالَى - وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَانُ . وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ , وَقَالَ غَرِيبٌ وَالطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ رضي الله عنها قَالَتْ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ " بِئْسَ الْعَبْدُ عَبْدٌ تَخَيَّلَ وَاخْتَالَ وَنَسِيَ الْكَبِيرَ الْمُتَعَالِ بِئْسَ الْعَبْدُ عَبْدٌ تَجَبَّرَ وَاعْتَدَى وَنَسِيَ الْجَبَّارَ الْأَعْلَى بِئْسَ الْعَبْدُ عَبْدٌ سَهَا وَلَهَا وَنَسِيَ الْمَقَابِرَ وَالْبِلَى بِئْسَ الْعَبْدُ عَبْدٌ عَتَا وَطَغَى وَنَسِيَ الْمُبْتَدَا وَالْمُنْتَهَى بِئْسَ الْعَبْدُ عَبْدٌ يَخْتِلُ الدُّنْيَا بِالدِّينِ بِئْسَ الْعَبْدُ عَبْدٌ يَخْتِلُ الدِّينَ بِالشَّهَوَاتِ بِئْسَ الْعَبْدُ عَبْدٌ طَمَعٌ يَقُودُهُ بِئْسَ الْعَبْدُ عَبْدٌ هَوًى يُضِلُّهُ بِئْسَ الْعَبْدُ عَبْدٌ رَغَبٌ يُذِلُّهُ " . وَرَوَى الْبَزَّارُ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " لَوْ لَمْ تُذْنِبُوا لَخَشِيتُ عَلَيْكُمْ مَا هُوَ أَكْبَرُ مِنْهُ الْعُجْبُ " . وَقَالَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها " لَبِسْتُ مَرَّةً دِرْعًا جَدِيدًا فَجَعَلْت أَنْظُرُ إلَيْهِ , وَأَعْجَبُ بِهِ , فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه: أَمَا عَلِمْتِ أَنَّ الْعَبْدَ إذَا دَخَلَهُ الْعُجْبُ بِزِينَةِ الدُّنْيَا مَقَتَهُ رَبُّهُ حَتَّى يُفَارِقَ تِلْكَ الزِّينَةَ؟ قَالَتْ فَنَزَعْتُهُ فَتَصَدَّقْتُ بِهِ . فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه عَسَى ذَلِكَ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكِ
وَبَيَانِ الْفَرْقِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْكِبْرِ تَنْبِيهَاتٌ: (الْأَوَّلُ): قَالَ فِي الْقَامُوسِ: الْعُجْبُ بِالضَّمِّ: الزَّهْوُ وَالْكِبْرُ . وَقَالَ فِي تَفْسِيرِ الْكِبْرِ: هُوَ مُعَظِّمُ الشَّيْءِ وَالشَّرَفُ وَيُضَمُّ , وَالْإِثْمُ الْكَبِيرُ , كَالْكِبْرَةِ , بِالْكَسْرِ الرِّفْعَةِ فِي الشَّرَفِ وَالْعَظَمَةِ , وَالتَّجَبُّرُ كَالْكِبْرِيَاءِ , وَقَدْ تَكَبَّرَ وَاسْتَكْبَرَ وَتَكَابَرَ , وَكَصُرَدٍ جَمْعُ الْكُبْرَى . انْتَهَى . فَقَدْ فَسَّرَ الْعُجْبَ بِالْكِبْرِ فَظَاهِرُهُ أَنَّهُمَا شَيْءٌ وَاحِدٌ , وَكَذَا فَسَّرَهُ كَثِيرٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ . وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ بَيْنَهُمَا فَرْقًا دَقِيقًا ذَكَرَهُ الْمُحَقِّقُونَ , مِنْهُمْ الْإِمَامُ الْحَافِظُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي تَبْصِرَتِهِ فَقَالَ: أَعْلَمُ أَنَّ الْكِبْرَ خُلُقٌ بَاطِنٌ يَصْدُرُ عَنْهُ أَعْمَالٌ , وَذَلِكَ الْخُلُقُ هُوَ رُؤْيَةُ النَّفْسِ فَوْقَ الْمُتَكَبَّرِ عَلَيْهِ , وَيُفَارِقُهُ الْعُجْبُ مِنْ جِهَةِ أَنَّ الْكِبْرَ لَا يُتَصَوَّرُ إلَّا أَنْ يَكُونَ هُنَاكَ مَنْ يَتَكَبَّرُ عَلَيْهِ , وَالْعُجْبُ يُتَصَوَّرُ , وَلَوْ لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ غَيْرُ الْمُعْجَبِ . وَالْمُتَكَبِّرِ يَرَى نَفْسَهُ أَعْلَى مِنْ الْغَيْرِ فَتَحْصُلُ لَهُ هِزَّةٌ وَفَرَحٌ , وَرُكُونٌ لَهُ إلَى مَا اعْتَقَدَهُ , وَذَلِكَ نَفْخُ الشَّيْطَانِ كَمَا فِي حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم " أَنَّهُ كَانَ يَتَعَوَّذُ مِنْ الشَّيْطَانِ مِنْ هَمْزِهِ وَنَفْثِهِ وَنَفْخِهِ قَالَ: هَمْزُهُ الْمُوتَةُ , وَنَفْثُهُ الشِّعْرُ , وَنَفْخُهُ الْكِبْرِيَاءُ " . وَقَالَ الْإِمَامُ الْمُحَقِّقُ ابْنُ الْقَيِّمِ فِي كِتَابِهِ الرَّوْحِ الْكُبْرَى فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الْمَهَابَةِ وَالْكِبْرِ: إنَّ الْمَهَابَةَ أَثَرٌ مِنْ آثَارِ امْتِلَاءِ الْقَلْبِ بِعَظَمَةِ اللَّهِ وَمَحَبَّتِهِ وَإِجْلَالِهِ , فَإِذَا امْتَلَأَ الْقَلْبُ بِذَلِكَ حَلَّ فِيهِ النُّورُ , وَنَزَلَتْ عَلَيْهِ السَّكِينَةُ , وَأُلْبِسَ رِدَاءَ الْهَيْبَةِ , فَاكْتَسَى وَجْهُهُ الْحَلَاوَةَ وَالْمَهَابَةَ , فَأَخَذَ بِمَجَامِعِ الْقُلُوبِ مَحَبَّةً وَمَهَابَةً , فَحَنَّتْ إلَيْهِ الْأَفْئِدَةُ , وَقَرَّتْ بِهِ الْعُيُونُ , وَأَنِسَتْ بِهِ الْقُلُوبُ , فَكَلَامُهُ نُورٌ , وَمَدْخَلُهُ نُورٌ , وَمَخْرَجُهُ نُورٌ , وَعِلْمُهُ نُورٌ , إنْ سَكَتَ عَلَاهُ الْوَقَارُ , وَإِنْ تَكَلَّمَ أَخَذَ بِالْقُلُوبِ وَالْأَسْمَاعِ . قَالَ: وَأَمَّا الْكِبْرُ فَأَثَرٌ مِنْ آثَارِ الْعُجْبِ وَالْبَغْيِ مِنْ قَلْبٍ قَدْ امْتَلَأَ بِالْجَهْلِ وَالظُّلْمِ , تَرَحَّلَتْ مِنْهُ الْعُبُودِيَّةُ وَنَزَلَ عَلَيْهِ الْمَقْتُ , فَنَظَرُهُ إلَى النَّاسِ شَزْرٌ , وَمَشْيُهُ بَيْنَهُمْ تَبَخْتُرٌ , وَمُعَامَلَتُهُ لَهُمْ مُعَامَلَةُ الِاسْتِيثَارِ لَا الْإِيثَارِ , وَلَا الْإِنْصَافِ , ذَاهِبٌ بِنَفْسِهِ تِيهًا , لَا يَبْدَأُ مَنْ لَقِيَهُ بِالسَّلَامِ , وَإِنْ رَدَّ عَلَيْهِ رَأَى أَنَّهُ قَدْ بَالَغَ فِي الْإِنْعَامِ عَلَيْهِ , لَا يَنْطَلِقُ لَهُمْ وَجْهُهُ , وَلَا يَسَعُهُمْ خُلُقُهُ , وَلَا يَرَى لِأَحَدٍ عَلَيْهِ حَقًّا , وَيَرَى حُقُوقَهُ عَلَى النَّاسِ , وَلَا يَرَى فَضْلَهُمْ عَلَيْهِ , وَيَرَى فَضْلَهُ عَلَيْهِمْ , وَلَا يَزْدَادُ مِنْ اللَّهِ إلَّا بُعْدًا , وَلَا مِنْ النَّاسِ إلَّا صَغَارًا وَبُغْضًا .
وَقَالَ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الصِّيَانَةِ وَالتَّكَبُّرِ: إنَّ الصَّائِنَ لِنَفْسِهِ بِمَنْزِلَةِ رَجُلٍ قَدْ لَبِسَ ثَوْبًا جَدِيدًا نَقِيَّ الْبَيَاضِ ذَا ثَمَنٍ , فَهُوَ يَدْخُلُ بِهِ عَلَى الْمُلُوكِ فَمَنْ دُونَهُمْ , فَهُوَ يَصُونُهُ عَنْ الْوَسَخِ وَالْغُبَارِ , وَالطُّبُوعِ وَأَنْوَاعِ الْآثَارِ إبْقَاءً عَلَى بَيَاضِهِ وَنَقَائِهِ , إلَى آخِرِ كَلَامِهِ قَالَ: بِخِلَافِ صَاحِبِ الْعُلُوِّ فَإِنَّهُ , وَإِنْ شَابَهُ هَذَا فِي تَعَزُّزِهِ وَتَجَنُّبِهِ فَهُوَ يَقْصِدُ أَنْ يَعْلُوَ رِقَابَهُمْ وَيَجْعَلَهُمْ تَحْتَ قَدَمِهِ , فَهَذَا لَوْنٌ وَذَاكَ لَوْنٌ , فَجَعَلَ الْكِبْرَ أَثَرًا مِنْ آثَارِ الْعُجْبِ وَثَمَرَةً مِنْ ثَمَرَاتِهِ . وَكَذَلِكَ قَالَ الْإِمَامُ الْحَافِظُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: اعْلَمْ أَنَّ مِنْ أَسْبَابِ الْكِبْرِ الْعُجْبَ , فَإِنَّ مَنْ أُعْجِبَ بِشَيْءٍ تَكَبَّرَ بِهِ . قَالَ فِي تَعْرِيفِ التِّيهِ: هُوَ خُلُقٌ مُتَوَلِّدٌ بَيْنَ أَمْرَيْنِ: إعْجَابُهُ بِنَفْسِهِ , وَإِزْرَاؤُهُ بِغَيْرِهِ , فَيَتَوَلَّدُ مِنْ بَيْنِ هَذَيْنِ التِّيهُ . (الثَّانِي) قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم فِي عِدَّةِ أَحَادِيثَ ذَكَرْت طَرَفًا مِنْهَا " الْعِزُّ إزَارِي , وَالْكِبْرِيَاءُ رِدَائِي " عَلَى اخْتِلَافِ أَلْفَاظِ الْحَدِيثِ , فَمَا مَعْنَى هَذِهِ الْأَخْبَارِ؟ قَالَ الْخَطَّابِيُّ , وَنَقَلَهُ الْإِمَامُ الْحَافِظُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ وَجُمُوعٌ: إنَّ الْكِبْرِيَاءَ وَالْعَظَمَةَ صِفَتَانِ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ اُخْتُصَّ بِهِمَا فَلَا يَنْبَغِي لِمَخْلُوقٍ أَنْ يَتَعَاطَاهُمَا , لِأَنَّ صِفَةَ الْمَخْلُوقِ التَّوَاضُعُ وَالذُّلُّ , وَضَرَبَ الْإِزَارَ وَالرِّدَاءَ مَثَلًا يَقُولُ كَمَا لَا يَشْرَكُ الْإِنْسَانَ فِي رِدَائِهِ وَإِزَارِهِ أَحَدٌ فَكَذَلِكَ لَا يَشْرَكُنِي فِي الْكِبْرِيَاءِ وَالْعَظَمَةِ مَخْلُوقٌ .
وَفِيهِ كَلَامٌ نَفِيسٌ (الثَّالِثُ) التَّكَبُّرُ عَلَى الْخَلْقِ يَنْقَسِمُ إلَى قِسْمَيْنِ: أَحَدُهُمَا التَّكَبُّرُ عَلَى الرُّسُلِ عليهم الصلاة والسلام , مِنْ جِهَةِ تَرَفُّعِ النَّفْسِ عَنْ الِانْقِيَادِ لِلْبَشَرِ , وَرُبَّمَا عَرَفَتْ النُّفُوسُ صِحَّةَ قَوْلِهِمْ وَمَا جَاءُوا بِهِ فَيَمْنَعُهَا الْكِبْرُ عَنْ الِانْقِيَادِ وَالِانْفِعَالِ لَهُمْ , وَهَذَا كُفْرٌ وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْهُ وَمِنْ غَيْرِهِ . وَالثَّانِي: التَّكَبُّرُ عَلَى الْخَلْقِ سِوَى مَنْ قَدَّمْنَا مِنْ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِينَ , وَهُوَ عَظِيمٌ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ الْكِبْرِيَاءَ وَالْعَظَمَةَ لَا تَلِيقُ إلَّا بِالْمَلِكِ الْقَادِرِ لَا بِالْعَبْدِ الْعَاجِزِ . ثُمَّ إنَّهُ يَتَكَبَّرُ بِمَا لَيْسَ لَهُ وَلَا خَلَقَ شَيْئًا مِنْهُ , وَأَمْرُهُ فِي يَدِ غَيْرِهِ , وَهُوَ مَرْبُوبٌ مَقْهُورٌ . إنْ أُعْجِبَ بِجَمَالِهِ فَجَمَالُهُ لَيْسَ هُوَ مَنْ صَنَعَهُ . أَوْ بِعِلْمِهِ فَعِلْمُهُ لَيْسَ مِنْ وُسْعِهِ , فَإِنَّهُ لَا يَتَعَقَّلُ كَيْفَ يَعْلَقُ الْعِلْمُ بِالْقَلْبِ , وَلَا يُدْرِكُ كَيْفَ يَعْقِلُ فِي الْحَافِظَةِ , وَلَا يُحِيطُ بِكُنْهِ حَقَائِقِ الْحُرَّاسِ الْبَاطِنَةِ . وَمَنْ كَانَ بِمِثْلِ هَذِهِ الْمَثَابَةِ فَكَيْفَ يَعْجَبُ وَيَتَكَبَّرُ؟ ! وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ الْكِبْرَ يَدْعُو إلَى مُخَالَفَةِ اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - فِي أَمْرِهِ وَنَهْيِهِ ; لِأَنَّ الْمُتَكَبِّرَ يَأْنَفُ مِنْ قَبُولِ الْحَقِّ , وَإِذَا قِيلَ لَهُ: اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ . وَلِذَا قَالَ عليه السلام " الْكِبْرُ بَطَرُ الْحَقِّ وَغَمْطُ النَّاسِ " وَرُبَّمَا تَكَبَّرَ الْعَالِمُ وَاحْتَقَرَ النَّاسَ , وَيَرَى أَنَّهُ فِي الْآخِرَةِ أَعْلَى مِنْهُمْ مَنْزِلَةً , وَلَيْسَ هَذَا بِعَالِمٍ بَلْ ظَالِمٌ , لِأَنَّ الْعِلْمَ هُوَ الَّذِي يُعَرِّفُ الْإِنْسَانَ نَفْسَهُ , وَيُعَلِّمُهُ حُجَّةَ اللَّهِ عَلَيْهِ فَيَزِيدُهُ خَوْفًا . وَلِذَا قَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ رضي الله عنه مَنْ ازْدَادَ عِلْمًا ازْدَادَ وَجَعًا . وَرُبَّمَا كَانَ الْعِلْمُ حُجَّةً عَلَيْهِ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى . وَرُبَّمَا تَكَبَّرَ الْعَابِدُ بِعِبَادَتِهِ , وَلَعَلَّهَا غَيْرُ مَقْبُولَةٍ عِنْدَ اللَّهِ جَلَّ شَأْنُهُ . وَرُبَّمَا تَكَبَّرَ صَاحِبُ النَّسَبِ بِنَسَبِهِ وَنَسِيَ قوله تعالى
هُوَ كِبْرُ الْكُفْرِ (الرَّابِعُ) تَقَدَّمَ فِي الْأَحَادِيثِ أَنَّ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ . وَأَنْتُمْ تَقُولُونَ: الْكِبْرُ غَايَةُ أَمْرِهِ أَنْ يَكُونَ مِنْ الْكَبَائِرِ , وَذُو الْكَبِيرَةِ لَيْسَ بِمُخَلَّدٍ فِي النَّارِ , وَلَا تُوجِبُ دُخُولَهُ لَهَا عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ , خِلَافًا لِلْمُعْتَزِلَةِ فِيمَا إذَا مَاتَ مُصِرًّا عَلَيْهَا . وَالْجَوَابُ عَنْ هَذَا: أَنَّا نَعْنِي بِالْكِبْرِ الَّذِي لَا يُدْخِلُ صَاحِبَهُ الْجَنَّةَ كِبْرَ الْكُفْرِ , فَإِنَّ الْعَبْدَ قَدْ يَتَكَبَّرُ عَلَى الْخَالِقِ لِفَرْطِ جَهْلِهِ فَيَكْفُرُ بِهِ , وَلَا يَعْبُدُهُ , وَرُبَّمَا تَكَبَّرَ عَلَى أَنْبِيَائِهِ وَرُسُلِهِ , وَهَذَا كَافِرٌ لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ أَبَدًا . قَالَ فِي النِّهَايَةِ فِي قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم " لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ مِنْ كِبْرٍ " يَعْنِي كِبْرَ الْكُفْرِ وَالشِّرْكِ وَقِيلَ: أَرَادَ إذَا أُدْخِلَ الْجَنَّةَ نُزِعَ مَا فِي قَلْبِهِ مِنْ الْكِبْرِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى انْتَهَى
|